فصل: (فَصْلٌ): (شروطُ صحةِ صَلَاةِ الْعِيدِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [شروطُ صحةِ صَلَاةِ الْعِيدِ]:

(وَشُرِطَ لَهَا)، أَيْ: صَلَاةِ الْعِيدِ (غَيْرَ خُطْبَةٍ مَا) شُرِطَ (لِجُمُعَةٍ مِنْ وَقْتٍ) كَسَائِرِ الْمُؤَقَّتَاتِ، (وَاسْتِيطَانِ) أَرْبَعِينَ، (وَعَدَدِ) الْجُمُعَةِ (وَحُضُورِهِمْ)؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَهَا خُطْبَةٌ رَاتِبَةٌ، أَشْبَهَتْ الْجُمُعَةَ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافَقَ الْعِيدَ فِي حَجَّتِهِ وَلَمْ يُصَلِّ، (فَلَا تُقَامُ) الْعِيدُ (إلَّا حَيْثُ تُقَامُ) الْجُمُعَةُ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَهِيَ)، أَيْ: صَلَاةُ الْعِيدِ: (رَكْعَتَانِ) تُفْعَلُ (قَبْلَ الْخُطْبَةِ).
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا)، أَيْ: الْخُطْبَةِ (قَبْلَهُمَا)، أَيْ: رَكْعَتَيْ الْعِيدِ (عَكْسَ جُمُعَةٍ)، أَيْ: كَمَا لَوْ خَطَبَ فِي الْجُمُعَةِ بَعْدَهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَنِي أُمَيَّةَ تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ عُثْمَانَ. (وَلَا أَذَانَ لَهُمَا)، أَيْ: صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ، (وَلَا إقَامَةَ) أَيْضًا، (يُكَبِّرُ بـِ) رَكْعَةٍ (أُولَى نَدْبًا بَعْدَ) تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ، وَبَعْدَ (اسْتِفْتَاحٍ وَقَبْلَ تَعَوُّذٍ سِتًّا) زَوَائِدَ، (وَ) يُكَبِّرُ (بِثَانِيَةٍ قَبْلَ قِرَاءَةٍ خَمْسًا) زَوَائِدَ نَصًّا، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ أَبِي: أَنَا أَذْهَبُ إلَى هَذَا وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ. وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التَّكْبِيرُ سَبْعٌ فِي الْأُولَى، وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّكْبِيرِ، وَكُلُّهُ جَائِزٌ. (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ) نَصًّا، لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ» فَأَدَّى أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ. (وَيَقُولُ نَدْبًا بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا)، لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: «سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَمَّا يَقُولُهُ بَعْدَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، قَالَ: يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَدْعُو أَوْ يُكَبِّرُ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَقَالَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مُوسَى: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَحَرْبٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. وَلِأَنَّهَا تَكْبِيرَاتٌ حَالَ الْقِيَامِ، فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا ذِكْرٌ كَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ. (وَإِنْ أَحَبَّ) مُصَلٍّ (قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ) مِنْ الْأَذْكَارِ (إذْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مُؤَقَّتٌ)، أَيْ: مَخْصُوصٌ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (وَلَا يَأْتِي بِذِكْرٍ بَعْدَ تَكْبِيرَةٍ أَخِيرَةٍ) فِي الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ فَقَطْ، (بَلْ يَسْتَعِيذُ وَيَقْرَأُ جَهْرًا الْفَاتِحَةَ، فَسَبِّحْ بـِ) رَكْعَةٍ (أُولَى، فَغَاشِيَةً بـِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ)، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا «كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ: بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى، وَ: هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» رَوَاه أَحْمَدُ. وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَأَنَسٍ. (وَإِنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَسِيَ الِاسْتِفْتَاحَ أَوْ التَّعَوُّذَ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، أَوْ نَسِيَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ حَتَّى رَكَعَ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِالتَّكْبِيرَاتِ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْقِرَاءَةِ، فَقَدْ أَلْغَى فَرْضًا يَصِحُّ أَنْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْقِرَاءَةَ، فَقَدْ حَصَلَتْ التَّكْبِيرَاتُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا. (وَكَذَا مَسْبُوقٌ أَدْرَكَهُ)-، أَيْ: الْإِمَامَ- قَائِمًا (بَعْدَهُ)- أَيْ: بَعْدَ التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ أَوْ بَعْضَهُ- لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَكَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا، (لَكِنْ يُكَبِّرُ فِيمَا يَقْضِيهِ) وَلَوْ بِنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ (بِمَذْهَبِهِ) لَا بِمَذْهَبِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالسَّهْوِ، فَكَذَا فِي التَّكْبِيرِ. (وَسُنَّ لِمَنْ فَاتَتْهُ) صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ (قَضَاؤُهَا فِي يَوْمِهَا) قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ (عَلَى صِفَتِهَا)، لِفِعْلِ أَنَسٍ؛ وَلِأَنَّهُ قَضَاءُ صَلَاةٍ، فَكَانَ عَلَى صِفَتِهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، (كَمُدْرِكِ) إمَامٍ (فِي) الـ (تَّشَهُّدِ)، لِعُمُومِ: «وَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا»
(فَإِذَا سَلَّمَ إمَامٌ، خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَهُمَا)، أَيْ: الْخُطْبَتَانِ: (سُنَّةٌ، وَلَا يَجِبُ حُضُورُهُمَا وَلَا اسْتِمَاعُهُمَا)، لِمَا رَوَى عَطَاءٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إنَّا نَخْطُبُ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ، فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ، فَلْيَذْهَبْ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ. وَلَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَ حُضُورُهَا وَاسْتِمَاعُهَا كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ. (وَأَحْكَامُهُمَا)، أَيْ: الْخُطْبَتَيْنِ (كَخُطْبَتَيْ جُمُعَةٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا (حَتَّى فِي) تَحْرِيمِ (كَلَامٍ) حَالَ الْخُطْبَةِ نَصًّا (إلَّا التَّكْبِيرَ مَعَ الْخَاطِبِ)، فَيُسَنُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرْحِ وَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ، جَلَسَ نَصًّا نَدْبًا، لِيَسْتَرِيحَ، وَيَتَرَادَّ إلَيْهِ نَفْسُهُ، وَيَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِلِاسْتِمَاعِ. (وَيَجْلِسُ يَسْمَعُ) الْخُطْبَةَ (مَنْ فَاتَتْهُ) صَلَاةُ الْعِيدِ (ثُمَّ يَقْضِيهَا)، أَيْ: الصَّلَاةَ (إنْ شَاءَ) قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، مُنْفَرِدًا كَانَ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ تَطَوُّعًا فِي حَقِّهِ. (وَسُنَّ لِخَطِيبٍ اسْتِفْتَاحُ) خُطْبَةٍ (أُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ) نَسَقًا، (وَ) يَسْتَفْتِحُ خُطْبَةً (ثَانِيَةً بِسَبْعِ) تَكْبِيرَاتٍ (نَسَقًا)، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ قَالَ: يُكَبِّرُ الْإِمَامُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَيَكُونُ (قَائِمًا) حَالَ تَكْبِيرِهِ كَسَائِرِ أَذْكَارِ الْخُطْبَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ: إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ. (يَحُثُّهُمْ فِي خُطْبَةِ) عِيدِ فِطْرٍ (عَلَى صَدَقَةٍ)، لِحَدِيثِ «أَغْنُوهُمْ عَنْ السُّؤَالِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» (وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يُخْرِجُونَ) جِنْسًا وَقَدْرًا، وَوَقْتَ الْوُجُوبِ وَالْإِخْرَاجِ، (وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ) الْفِطْرَةُ، وَمَنْ يُسَنُّ إخْرَاجُهَا عَنْهُ، (وَ) مَنْ (تُدْفَعُ لَهُ) مِنْ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ، (وَيُرَغِّبُهُمْ) بِخُطْبَةِ (أَضْحَى فِي أُضْحِيَّةٍ) وَمَا أُعِدَّ لِفَاعِلِهَا مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ، (وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حُكْمَهَا)، أَيْ: مَا يُجْزِئُ وَمَا لَا يُجْزِئُ، وَمَا الْأَفْضَلُ مِنْهَا، وَوَقْتُهَا، وَمَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا لِأَنَّهُ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي خُطْبَةِ الْأَضْحَى كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ» مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْبَرَاءِ وَغَيْرِهِمَا.

.(فَصْلٌ): [التكبيرُ فِي لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ]:

(سُنَّ تَكْبِيرٌ مُطْلَقٌ وَإِظْهَارُهُ، وَ) سُنَّ (جَهْرُ غَيْرِ أُنْثَى بِهِ)، أَيْ: التَّكْبِيرِ (فِي لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ) قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ جَمِيعًا.
(وَ) تَكْبِيرُ عِيدِ (فِطْرٍ آكَدُ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ}، أَيْ: عِدَّةَ رَمَضَانَ {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (وَ) سُنَّ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ (مِنْ خُرُوجٍ إلَيْهِمَا)، أَيْ: الْعِيدَيْنِ (إلَى فَرَاغِ خُطْبَةٍ)، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى، ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ (وَ) سُنَّ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ (فِي كُلِّ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) وَلَوْ لَمْ يَرَ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ. وَسُنَّ التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ (بِكُلِّ مَكَان) فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ (مِنْ مَسْجِدٍ وَمَنْزِلٍ وَطَرِيقٍ لِمُسَافِرٍ وَمُقِيمٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ) ذَكَرٍ (أَوْ أُنْثَى) مِنْ أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ.
(وَ) سُنَّ تَكْبِيرٌ (مُقَيَّدٌ فِي) عِيدِ (الْأَضْحَى) خَاصَّةً (عَقِبَ كُلِّ) صَلَاةِ (فَرِيضَةٍ صَلَّاهَا جَمَاعَةً حَتَّى الْفَائِتَةِ فِي عَامِهِ)، أَيْ: ذَلِكَ الْعِيدِ إذَا صَلَّاهَا جَمَاعَةً، (مِنْ صَلَاةِ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ)، لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حِينَ يُسَلِّمُ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ. (إلَّا الْمُحْرِمَ، فَ) يُكَبِّرُ إدْبَارَ الْمَكْتُوبَاتِ جَمَاعَةً (مِنْ صَلَاةِ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) إلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ تَنْقَطِعُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَإِنَّ وَقْتَهَا مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ كَمَا يَأْتِي، فَعُمُومُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَرْمِ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ فِي رَمْيِ الْجَمْرَةِ، إذْ هُوَ بَعْدَ الشُّرُوقِ، يُؤَيِّدُهُ لَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ إلَى بَعْدِ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي حَقِّهِ التَّكْبِيرُ وَالتَّلْبِيَةُ. (وَيُكَبِّرُ ثُمَّ يُلَبِّي مَنْ لَمْ يَرْمِ) جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ تُقْطَعُ بَعْدَ رَمْيِهَا. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ. إلَى آخِرِهِ، فَيَكُونُ تَكْبِيرُ الْمُحِلِّ عَقِبَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَرِيضَةً، وَتَكْبِيرُ الْمُحْرِمِ عَقِبَ سَبْعَ عَشْرَةَ. (وَمُسَافِرٌ وَمُمَيِّزٌ وَأُنْثَى كَمُقِيمٍ وَبَالِغٍ وَرَجُلٍ) فِي التَّكْبِيرِ عَقِبَ الْمَكْتُوبَاتِ جَمَاعَةً، لِلْعُمُومَاتِ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إنَّمَا التَّكْبِيرُ عَلَى مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً وَتُكَبِّرُ الْمَرْأَةُ إنْ صَلَّتْ جَمَاعَةً مَعَ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ وَتَخْفِضُ صَوْتَهَا. (وَيُكَبِّرُ إمَامٌ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ)، فَيَلْتَفِتُ إلَى الْمَأْمُومِينَ إذَا سَلَّمَ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ، أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ: عَلَى مَكَانِكُمْ، وَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ. (وَمَنْ نَسِيَهُ)، أَيْ: التَّكْبِيرَ، (قَضَاهُ) إذَا ذَكَرَهُ (مَكَانَهُ، فَإِنْ قَامَ) مِنْهُ (أَوْ ذَهَبَ) نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا، (عَادَ فَجَلَسَ) فِيهِ وَكَبَّرَ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَهُ جَالِسًا فِي مُصَلَّاهُ سُنَّةٌ لِمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَتْرُكُهَا مَعَ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ كَبَّرَ مَاشِيًا، فَلَا بَأْسَ، (مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ) الـ (مَسْجِدِ أَوْ يَطُلْ فَصْلٌ) بَيْنَ سَلَامِهِ وَتَذَكُّرِهِ، فَلَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا. (وَيُكَبِّرُ مَنْ نَسِيَهُ إمَامُهُ) لِيَحُوزَ الْفَضِيلَةَ، وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ، سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ كَبَّرَ.
(وَ) يُكَبِّرُ (مَسْبُوقٌ إذَا قَضَى) مَا فَاتَهُ وَسَلَّمَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْمَسْبُوقُ وَغَيْرُهُ. (وَلَا يُسَنُّ) التَّكْبِيرُ (عَقِبَ صَلَاةِ عِيدٍ)؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا جَاءَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ. (وَصِفَتُهُ)، أَيْ: التَّكْبِيرِ: (شَفْعًا: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَهُ عَلِيٌّ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: اخْتِيَارِي تَكْبِيرُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَيُجْزِئُ (مَرَّةٌ) وَاحِدَةٌ، (وَإِنْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا، فَحَسَنٌ)، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَأَمَّا تَكْرِيرُهُ ثَلَاثًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِمْ، وَلَعَلَّهُ يُقَاسُ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَعَلَى قَوْلِ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ بَعْدَ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ. (وَلَا بَأْسَ بِتَهْنِئَةِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِمَا هُوَ مُسْتَفِيضٌ بَيْنَهُمْ مِنْ الْأَدْعِيَةِ، وَمِنْهُ بَعْدَ فَرَاغِ خُطْبَةٍ: قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ.
قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ بِرِوَايَةِ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: قِيلَ: وَوَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ؟ قَالَ: نَعَمْ، (كَالْجَوَابِ)، وَقَالَ: لَا أَبْتَدِئُ بِهِ. وَعَنْهُ: الْكُلُّ حَسَنٌ.

.(فَرْعٌ): [أَعْمَالُ الْبِرِّ فِي أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ]:

(سُنَّ اجْتِهَادٌ فِي عَمَلِ خَيْرٍ مِنْ نَحْوِ ذِكْرٍ وَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ) وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ (فِي أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْأَيَّامِ)، لِحَدِيثِ «مَا مِنْ أَيَّامٍ، الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ» (وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيفِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْأَمْصَارِ) مِنْ غَيْرِ تَلْبِيَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَذِكْرٌ، قِيلَ: تَفْعَلُهُ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا. وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ. انْتَهَى.
(وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ)، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَشْرِيقِ اللَّحْمِ، أَيْ: تَقْدِيدِهِ فِيهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْهَدْيَ لَا يُنْحَرُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ.
(وَ) الْأَيَّامُ (الْمَعْلُومَاتُ هِيَ): أَيَّامُ التَّشْرِيقِ (بِزِيَادَةِ) يَوْمِ (النَّحْرِ)، وَفِي الْإِقْنَاعِ: وَأَيَّامُ الْعَشْرِ: الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (أَوْ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَالْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) أَرْبَعَةٌ: (ذُو الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ، (وَذُو الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ (وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ) وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ الْبُدَاءَةُ بِالْمُحَرَّمِ لِتَقَعَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالصَّوَابُ فِي عَدِّهَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وِفَاقًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ (بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) (وَهُوَ ذَهَابُ ضَوْءِ أَحَدِ النَّيِّرَيْنِ): الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، (أَوْ) ذَهَابُ (بَعْضِهِ)، أَيْ: الضَّوْءِ. يُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ، بِفَتْحِ الْكَافِ، وَضَمِّهَا، وَكَذَا: خَسَفَتْ. وَقِيلَ: الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ. وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ. وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} وَقِيلَ: الْكُسُوفُ فِي أَوَّلِهِ، وَالْخُسُوفُ فِي آخِرِهِ. وَقِيلَ: الْكُسُوفُ لِذَهَابِ بَعْضِ ضَوْئِهِ، وَالْخُسُوفُ لِذَهَابِ كُلِّهِ. وَفِعْلُهَا ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَاسْتَنْبَطَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ}. وَهِيَ (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ، حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالنَّوَوِيُّ إجْمَاعًا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَصَلُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (حَتَّى لِنِسَاءٍ) عَجَائِزَ وَصِبْيَانٍ، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ.
(وَ) حَتَّى (سَفَرًا)، لِعُمُومِ الْخَبَرِ، (بِلَا خُطْبَةٍ)، لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ دُونَ الْخُطْبَةِ. (وَفِعْلُهَا جَمَاعَةً بِمَسْجِدِ جُمُعَةٍ أَفْضَلُ)، لِقَوْلِ عَائِشَةَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ وَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو حَيَّانَ: «خَسَفَ الْقَمَرُ، فَجَعَلَتْ الْيَهُودُ يَرْمُونَ بِالشُّهُبِ، وَيَضْرِبُونَ بِالطَّاسَاتِ، وَيَقُولُونَ: سُحِرَ الْقَمَرُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُسُوفَ مُخَالَفَةً لَهُمْ».
(وَ) يَجُوزُ (لِلصِّبْيَانِ حُضُورُهَا) كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ. (وَسُنَّ أَيْضًا ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ وَتَكْبِيرٌ وَتَقَرُّبٌ إلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعَ) مِنْ الْقُرَبِ، كَصَدَقَةٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا» الْحَدِيثَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) سُنَّ (عِتْقٌ فِي كُسُوفِهَا)، أَيْ: الشَّمْسِ، لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ «إنَّا كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْعِتْقِ فِي الْكُسُوفِ» وَلِيَحُوزَ فَضِيلَةَ ذَلِكَ، وَيَكُونَ عَامِلًا بِمُقْتَضَى التَّخْوِيفِ.
(وَ) سُنَّ (غُسْلٌ لَهَا)، أَيْ: لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ. (وَوَقْتُهَا: مِنْ ابْتِدَاءِ كُسُوفٍ إلَى التَّجَلِّي)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ» رَوَاه مُسْلِمٌ. (وَلَا تُقْضَى) صَلَاةُ الْكُسُوفِ (بِفَوْتٍ) بِالتَّجَلِّي، لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَمْ يُنْقَلْ الْأَمْرُ بِهَا بَعْدَ التَّجَلِّي، وَلَا قَضَاؤُهَا؛ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ رَاتِبَةٍ وَلَا تَابِعَةٍ لِفَرْضٍ، فَلَمْ تُقْضَ، (كَاسْتِسْقَاءٍ، وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ، وَسُنَّةِ وُضُوءٍ، وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ)، لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا. (وَهِيَ)، أَيْ: صَلَاةُ الْكُسُوفِ: (رَكْعَتَانِ، يَقْرَأُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى بَعْدَ اسْتِفْتَاحٍ وَتَعَوُّذٍ جَهْرًا، وَلَوْ) كَانَتْ الصَّلَاةُ (فِي كُسُوفِ شَمْسٍ)، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، فَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً طَوِيلَةً كَالْبَقَرَةِ) وَنَحْوِهَا، (ثُمَّ يَرْكَعُ طَوِيلًا قَالَ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ: (نَحْوَ مِائَةِ آيَةٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ) مِنْ رُكُوعِهِ (فَيُسَمِّعُ)، أَيْ: يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فِي رَفْعِهِ، (وَيُحَمِّدُ) فِي اعْتِدَالِهِ، فَيَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ. (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، وَيُطِيلُ) قِيَامَهُ (وَهُوَ دُونَ) الْقِيَامِ (الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيلُ) رُكُوعَهُ، (وَهُوَ دُونَ) الرُّكُوعِ (الْأَوَّلِ)، نِسْبَةُ الرُّكُوعِ الثَّانِي إلَى الْقِرَاءَةِ، كَنِسْبَةِ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ. (ثُمَّ يَرْفَعُ) مِنْ الرُّكُوعِ وَيُسَمِّعُ وَيُحَمِّدُ، (وَلَا يُطِيلُ اعْتِدَالَهُ)، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الرِّوَايَاتِ (ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ وَلَا يَزِيدُ وُجُوبًا عَلَيْهِمَا)، أَيْ: السَّجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ الزَّائِدَ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّ السُّجُودَ مُتَكَرِّرٌ، بِخِلَافِ الرُّكُوعِ، فَإِنَّهُ مُتَّحِدٌ. (وَلَا يُطِيلُ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا)، أَيْ: بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (ثُمَّ يُصَلِّي) الرَّكْعَةَ (الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى) مِنْ إتْيَانِهِ بِهَا بِرُكُوعَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، (لَكِنْ) تَكُونُ (دُونَهَا فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُ) فِيهَا، وَمَهْمَا قَرَأَ بِهِ مِنْ السُّوَرِ، جَازَ، لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْقِرَاءَةِ، (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ)، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا أَدْنَى مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَمَّعَ وَحَمَّدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ» وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ: «ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ» وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ»، (وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ (بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ أَوْ أَرْبَعِ) رُكُوعَاتٍ (أَوْ خَمْسِ) رُكُوعَاتٍ، (فَلَا بَأْسَ)، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «صَلَّى فِي كُسُوفٍ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا» رَوَاه مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ، فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ، ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى انْجَلَى كُسُوفُهَا». (وَيَتَّجِهُ: مَنْعُ زِيَادَةٍ) عَلَى خَمْسِ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَا بَعْدَ رُكُوعٍ أَوَّلٍ) كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ (سُنَّةٌ لَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ) لِلْمَسْبُوقِ، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ صَلَّاهَا بِرُكُوعٍ وَاحِدً (وَ) لِهَذَا (يَصِحُّ فِعْلُهَا كَنَافِلَةٍ)، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا تُعَادُ) الصَّلَاةُ (إنْ فَرَغَتْ قَبْلَ التَّجَلِّي، بَلْ يَذْكُرُ) اللَّهَ (وَيَدْعُوَ)؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ، فَلَا يَتَعَدَّدُ مُسَبَّبُهُ، (كـَ) مَا لَوْ وَقَعَ (كُسُوفٌ بِوَقْتِ نَهْيٍ)، فَلَا يُصَلِّي لَهُ، لِحَدِيثِ قَتَادَةَ، قَالَ: «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَنَحْنُ بِمَكَّةَ، فَقَامُوا يَدْعُونَ قِيَامًا، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ: هَكَذَا كَانُوا يَصْنَعُونَ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَمِثْلُ هَذَا فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. (وَإِنْ تَجَلَّى) كُسُوفٌ وَهُوَ (فِيهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ (أَتَمَّهَا خَفِيفَةً) عَلَى صِفَتِهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّجَلِّي، وَقَدْ حَصَلَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}
(وَ) إنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ (قَبْلَهَا)، أَيْ: الصَّلَاةِ، (لَمْ يُصَلِّ)، لِحَدِيثِ: «إذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» فَجَعَلَهُ غَايَةً لِلصَّلَاةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا زَوَالُ الْعَارِضِ، وَإِعَادَةُ النِّعْمَةِ بِالنُّورِ، وَقَدْ حَصَلَ. وَإِنْ خَفَّ قَبْلَهَا، شَرَعَ وَأَوْجَزَ. (وَإِنْ شَكَّ فِي التَّجَلِّي) لِنَحْوِ غَيْمٍ، (فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ)، أَيْ: الْكُسُوفِ، فَيُتِمُّهَا مِنْ غَيْرِ تَخْفِيفٍ. (أَوْ ذَهَبَ) الْكُسُوفُ (عَنْ بَعْضِهِ)، أَيْ: الْقَمَرِ، وَكَذَا الشَّمْسُ، (فَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَهَابِ الْبَاقِي) مِنْ الْكُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ، (كـَ) مَا لَوْ شَكَّ فِي وُجُودِ كُسُوفٍ مَا غَطَّاهُ السَّحَابُ، ثُمَّ ذَهَبَ عَنْ بَعْضِهِ فَرُئِيَ صَافِيًا، فَلَا يُصَلِّي لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ (عَدَمُ وُجُودِهِ) فَيُعْمَلُ بِهِ. (وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ) فِي كُسُوفٍ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا يُخْبِرُونَ بِهِ، (وَلَا يَجُوزُ عَمَلٌ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الرَّجْمِ بِالْغَيْبِ، فَلَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهِمْ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ. رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ أَنْ يُسَافِرَ لِقِتَالِ الْخَوَارِجِ، اعْتَرَضَهُ مُنَجِّمٌ وَقْتَ الرُّكُوبِ، وَقَالَ: لَا تَسِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، فَإِنَّ الْقَمَرَ فِي الْعَقْرَبِ، فَقَالَ لَهُ: إنْ كَانَ الَّذِي فِي الْعَقْرَبِ قَمَرُ الْقَوْمِ، فَأَيْنَ قَمَرُنَا؟ وَإِنْ كَانَ قَمَرُنَا، فَأَيْنَ قَمَرُهُمْ؟ ثُمَّ قَالَ: مَا كَانَ لِمُحَمَّدٍ مُنَجِّمٌ، وَلَا لَنَا مِنْ بَعْدِهِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ لِلْمُنَجِّمِ: نُخَالِفُكَ وَنَسِيرُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الَّتِي نَهَيْتَنَا عَنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ: إيَّاكُمْ وَتَعَلُّمَ النُّجُومِ، إلَّا مَا تَهْتَدُونَ بِهِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، إنَّمَا الْمُنَجِّمُ كَالْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ فِي النَّارِ. ثُمَّ سَافَرَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، وَلَقِيَ الْقَوْمَ وَقَتَلَهُمْ، وَهِيَ وَقْعَةُ النَّهْرَوَانُ الثَّانِيَةُ وَمُرَادُهُ بِالْمُنَجِّمِ: الَّذِي كَالْكَافِرِ: إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ النُّجُومَ فَعَّالَةٌ بِنَفْسِهَا، لِقَوْلِهِمْ: إضَافَةُ الْمَطَرِ إلَى النَّوْءِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ إجْمَاعًا، وَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ، عِنْدَ اقْتِرَانِ الْكَوْكَبِ الْفُلَانِيِّ بِالْكَوْكَبِ الْفُلَانِيِّ، لَا أَنَّهُمَا يَفْعَلَانِهِ، فَلَا. (وَإِنْ غَابَتْ شَمْسٌ كَاسِفَةٌ)، لَمْ يُصَلِّ، (أَوْ طَلَعَ فَجْرٌ وَقَمَرٌ خَاسِفٌ، لَمْ يُصَلِّ) لِأَنَّهُ ذَهَبَ وَقْتُ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا. (وَإِنْ غَابَ) الْقَمَرُ (خَاسِفًا لَيْلًا، صَلَّى)، لِبَقَاءِ وَقْتِ الِانْتِفَاعِ بِنُورِهِ. (وَمَتَى اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ، قُدِّمَتْ) جِنَازَةٌ عَلَى كُسُوفٍ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيُخْشَى عَلَى الْمَيِّتِ بِالِانْتِظَارِ، (فَتُقَدَّمُ) صَلَاةُ جِنَازَةٍ (عَلَى مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ كُسُوفٌ مِنْ جُمُعَةٍ أَمِنَ فَوْتَهَا وَلَمْ يَشْرَعْ فِي خُطْبَتِهَا، وَ) تُقَدَّمُ أَيْضًا عَلَى صَلَاةِ (عِيدٍ) أَمِنَ فَوْتَهَا، (وَ) عَلَى (مَكْتُوبَةٍ وَ) قَدْ (أُمِنَ فَوْتٌ)، فَيُقَدَّمُ الْكُسُوفُ عَلَى ذَلِكَ خَشْيَةَ تَجَلِّيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ خِيفَ فَوْتُ الْجُمُعَةِ، أَوْ كَانَ شَرَعَ فِي خُطْبَتِهَا، أَوْ خِيفَ فَوْتُ عِيدٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ، قُدِّمَتْ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَهَا، إذْ السُّنَّةُ لَا تُعَارِضُ فَرْضًا. (أَوْ)، أَيْ: وَيُقَدَّمُ كُسُوفٌ عَلَى (وِتْرٍ وَلَوْ خِيفَ فَوْتُهُ)؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى بِخِلَافِهَا، وَأَيْضًا هِيَ آكَدُ مِنْ الْوِتْرِ. (وَيُقَدَّمُ تَرَاوِيحُ عَلَى كُسُوفٍ إنْ تَعَذَّرَ فِعْلُهُمَا) فِي وَقْتِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّرَاوِيحَ تَخْتَصُّ بِرَمَضَانَ، بِخِلَافِ الْكُسُوفِ، فَتَفُوتُ بِفَوَاتِهِ. (وَإِنْ وَقَعَ) كُسُوفٌ (بِعَرَفَةَ، صَلَّى) صَلَاةَ الْكُسُوفِ، (ثُمَّ دَفَعَ) مِنْهَا. (وَذَهَبَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ إلَى (أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ كُسُوفُ) الشَّمْسِ إلَّا فِي الِاسْتِسْرَارِ آخِرَ الشَّهْرِ إذَا اجْتَمَعَ النِّيرَانُ، فَلَا يَكُونُ (إلَّا فِي ثَامِنِ) عِشْرِينَ (أَوْ) فِي (تَاسِعِ عِشْرِينَ) مِنْ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ. (وَلَا) يُتَصَوَّرُ (خُسُوفٌ إلَّا فِي إبْدَارِ الْقَمَرِ) وَهُوَ إذَا تَقَابَلَا.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ أَنَّ الشَّمْسَ لَا تَنْكَسِفُ إلَّا وَقْتَ الِاسْتِسْرَارِ، وَأَنَّ الْقَمَرَ لَا يَنْخَسِفُ إلَّا وَقْتَ الْإِبْدَارِ. وَقَالَ: مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الشَّمْسَ تَنْكَسِفُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِاسْتِسْرَارِ، فَقَدْ غَلِطَ، وَقَالَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ. وَأَخْطَأَ الْوَاقِدِيُّ فِي قَوْلِهِ: إنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ يَوْمَ الْعَاشِرِ، وَهُوَ الَّذِي انْكَسَفَتْ فِيهِ الشَّمْسُ. (وَاخْتَارَهُ)، أَيْ: اخْتَارَ قَوْلَ الشَّيْخِ (فِي الْإِقْنَاعِ ) قَائِلًا: وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ، فَعَلَى هَذَا يَسْتَحِيلُ كُسُوفُ الشَّمْسِ بِعَرَفَةَ وَيَوْمِ الْعِيدِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَغِيبَ الْقَمَرُ لَيْلًا وَهُوَ خَاسِفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَرَدَّهُ)، أَيْ: رَدَّ قَوْلَ الشَّيْخِ (تِلْمِيذُهُ) ابْنُ مُفْلِحٍ (فِي الْفُرُوعِ ) فَقَالَ: ذَكَرَ أَبُو شَامَةَ فِي تَارِيخِهِ: أَنَّ الْقَمَرَ خَسَفَ لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشْرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي غَدِهِ (وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). قَالَ: وَاتَّضَحَ بِذَلِكَ مَا صَوَّرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكُسُوفِ وَالْعِيدِ، وَاسْتَبْعَدَهُ أَهْلُ النَّجَّامَةِ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْفُصُولِ لَا يَخْتَلِفُ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ، نَقَلَهُ الْوَاقِدِيُّ وَالزُّبَيْرِيُّ. وَإِنَّ الْفُقَهَاءَ فَرَّعُوا وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ إذَا اتَّفَقَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا سِيَّمَا إذَا اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ، فَتَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا.

.(فَرْعٌ): [لَا يُصَلَّى لِآيَةٍ غَيْرُ كُسُوفٍ]:

(لَا يُصَلَّى لِآيَةٍ) مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ (غَيْرُ كُسُوفٍ) (كَ) وُقُوعِ (ظُلْمَةٍ نَهَارًا، وَضِيَاءٍ لَيْلًا وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ وَصَوَاعِقَ)، لِعَدَمِ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، مَعَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي زَمَانِهِمْ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ، وَهُبُوبُ الرِّيَاحِ وَالصَّوَاعِقِ، (إلَّا لِزَلْزَلَةٍ دَائِمَةٍ، فَيُصَلَّى لَهَا كَصَلَاةِ كُسُوفٍ) نَصًّا لِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، وَقَالَ: لَوْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ لَقُلْنَا بِهِ. وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ صَلَاةُ رَهْبَةٍ وَخَوْفٍ، كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةُ رَحْمَةٍ وَرَجَاءٍ.

.(بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ):

أَيْ: بَابُ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ الِاسْتِسْقَاءِ (وَهُوَ)، أَيْ: الِاسْتِسْقَاءُ (الدُّعَاءُ بِطَلَبِ السُّقْيَا عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ). وَالسُّقْيَا: بِضَمِّ السِّينِ: الِاسْمُ مِنْ السَّقْيِ. وَهِيَ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ حَتَّى بِسَفَرٍ)، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَتُفْعَلُ جَمَاعَةً وَفُرَادَى، وَالْأَفْضَلُ جَمَاعَةً. (إذَا ضَرَّ) النَّاسَ (إجْدَابُ أَرْضٍ)، يُقَالُ: أَجْدَبَ الْقَوْمُ، إذَا أَمْحَلُوا (أَوْ) ضَرَّهُمْ (قَحْطُ مَطَرٍ)، أَيْ: احْتِبَاسُهُ (عَنْ أَرْضٍ مَسْكُونَةٍ أَوْ مَسْلُوكَةٍ) لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِي غَيْرِهِمَا (وَلَوْ) ضَرَّ (غَيْرَ أَرْضِهِمْ)، لِحُصُولِ الضَّرَرِ بِهِ (أَوْ) ضَرَّهُمْ (غَوْرُ مَاءِ عُيُونٍ) فِي الْأَرْضِ، (أَوْ) ضَرَّهُمْ غَوْرُ مَاءِ (أَنْهَارٍ) جَمْعُ: نَهْرٍ، بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا: مَجْرَى الْمَاءِ. (أَوْ) ضَرَّهُمْ (نَقْصُهَا)، أَيْ: نَقْصُ مَائِهَا (وَضَرَّ) ذَلِكَ بِهِمْ، فَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ لَهُ كَقَحْطِ الْمَطَرِ. وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ الْإِمَامُ أَوْ الْمُطَاعُ فِي قَوْمِهِ زَمَنَ جَدْبٍ، لَزِمَهُ الِاسْتِسْقَاءُ فِي نَفْسِهِ. وَلَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ غَيْرَهُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِمْ، فَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَيْهِ. وَإِنْ نَذَرَهَا غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ الْمُطَاعِ، انْعَقَدَ نَذْرُهُ أَيْضًا، وَلَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ، لِحَدِيثِ «وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (وَإِنْ نُذِرَتْ) صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ (زَمَنَ خِصْبٍ، لَمْ تَنْعَقِدْ). صَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إذَنْ. (وَيَتَّجِهُ: بَلْ) مَنْ نَذَرَ الِاسْتِسْقَاءَ مِنْ خِصْبٍ، فَنَذْرُهُ (كـَ) نَذْرٍ (مُبَاحٍ)، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ تَرْكِهَا، وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ. (وَوَقْتُهَا)، أَيْ: صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ (وَصِفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَأَحْكَامُهَا كَصَلَاةِ عِيدٍ مِنْ تَكْبِيرَاتٍ زَوَائِدَ وَخُطْبَةٍ)؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سُنَّةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةُ الْعِيدَيْنِ فَعَلَى هَذَا تُسَنُّ فِي الصَّحْرَاءِ، وَأَنْ تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقِمْهَا إلَّا فِي الصَّحْرَاءِ، وَهِيَ أَوْسَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي الْعِيدَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَسُنَّ فِعْلُهَا)، أَيْ: صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ (أَوَّلَ النَّهَارِ) وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَلَا تَتَقَيَّدُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ، فَيَجُوزُ فِعْلُهَا بَعْدَهُ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. (وَيَقْرَأُ فِيهَا): بِسَبِّحْ وَ: الْغَاشِيَةِ، (كَصَلَاةِ عِيدٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ شَاءَ) قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى: ( {إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا}) لِمُنَاسَبَتِهَا الْحَالَ، (فـَ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (سُورَةً أُخْرَى) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ. (وَإِذَا أَرَادَ إمَامٌ الْخُرُوجَ لَهَا، وَعَظَ النَّاسَ)، أَيْ: خَوَّفَهُمْ، وَذَكَّرَهُمْ بِالْخَيْرِ لِتَرِقَّ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَيَنْصَحُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ بِالْعَوَاقِبِ (وَأَمَرَهُمْ بِتَوْبَةٍ) مِنْ الْمَعَاصِي (وَرَدِّ مَظَالِمَ) بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ سَبَبُ الْقَحْطِ، وَالتَّقْوَى سَبَبُ الْبَرَكَاتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الْآيَةَ.
(وَ) أَمَرَهُمْ بِـ (تَرْكِ تَشَاحُنٍ)، مِنْ الشَّحْنَاءِ وَهِيَ: الْعَدَاوَةُ؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْبَهْتِ، وَتَمْنَعُ نُزُولَ الْخَيْرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ» (وَ) أَمَرَهُمْ (بِصَدَقَةٍ)؛ لِأَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلرَّحْمَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى رَحْمَتِهِمْ بِنُزُولِ الْغَيْثِ.
(وَ) أَمَرَهُمْ بِـ (صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، يَخْرُجُونَ آخِرَهَا صِيَامًا)؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى نُزُولِ الْغَيْثِ. وَقَدْ رُوِيَ: «دَعْوَةُ الصَّائِمِ لَا تُرَدُّ» وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ الشَّهْوَةِ، وَحُضُورِ الْقَلْبِ، وَالتَّذَلُّلِ لِلرَّبِّ. (وَلَا يَلْزَمَانِ)، أَيْ: الصَّدَقَةُ وَالصَّوْمُ (بِأَمْرِهِ) مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِوُجُوبِ طَاعَتِهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا. (وَلَيْسَ لَهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ (إلْزَامُ غَيْرِهِ بِخُرُوجٍ مَعَهُ) إلَى الْمُصَلَّى (وَقَوْلُهُمْ: تَجِبُ طَاعَتُهُ، الْمُرَادُ بِهِ: فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْأُمُورِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا) لَا مُطْلَقًا، وَلِهَذَا جَزَمَ بَعْضُهُمْ: تَجِبُ فِي الطَّاعَةِ، وَتُسَنُّ فِي الْمَسْنُونِ، وَتُكْرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ. (وَيَعِدُهُمْ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ) لِلِاسْتِسْقَاءِ، لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (وَيَتَنَظَّفُ لَهَا بِغُسْلٍ وَسِوَاكٍ وَإِزَالَةِ رَائِحَةٍ) كَرِيهَةٍ وَتَقْلِيمِ أَظْفَارٍ وَنَحْوِهِ، لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ، وَهُوَ يَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ لَهُ، أَشْبَهَ الْجُمُعَةَ. (وَلَا يَتَطَيَّبُ)، وِفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ اسْتِكَانَةٍ وَخُضُوعٍ، (وَيَخْرُجُ) إلَى الْمُصَلَّى (فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ مُتَوَاضِعًا، مُتَخَشِّعًا)، أَيْ: خَاضِعًا (مُتَذَلِّلًا) مِنْ الذُّلِّ، وَهُوَ: الْهَوَانُ، (مُتَضَرِّعًا)، أَيْ: مُسْتَكِينًا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاسْتِسْقَاءِ مُتَذَلِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَالْخُشُوعُ: سُكُونُ الْقَلْبِ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى غَيْرِهِ، وَسُكُونُ الْجَوَارِحِ عَنْ التَّقَلُّبِ فِي غَيْرِ الْمَفْعُولِ عَلَى قَصْدِ الْقُرْبَةِ. (وَمَعَهُ أَهْلُ دِينٍ وَصَلَاحٍ وَشُيُوخٌ)؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ لِإِجَابَتِهِمْ. وَقَدْ اسْتَسْقَى عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ، وَمُعَاوِيَةُ بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَاسْتَسْقَى بِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ مَرَّةً أُخْرَى ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَقَالَ السَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ: لَا بَأْسَ بِالتَّوَسُّلِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ بِالشُّيُوخِ وَالْعُلَمَاءِ الْمُتَّقِينَ. وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَشْفِعَ إلَى اللَّهِ بِرَجُلٍ صَالِحٍ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»: الِاسْتِعَاذَةُ لَا تَكُونُ بِمَخْلُوقٍ (وَسُنَّ خُرُوجُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ)؛ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ، فَتُرْجَى إجَابَةُ دُعَائِهِ. (وَأُبِيحَ خُرُوجُ طِفْلٍ وَعَجُوزٍ وَبَهِيمَةٍ)؛ لِأَنَّ الرِّزْقَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْكُلِّ. وَرَوَى الْبَزَّارُ مَرْفُوعًا: «لَوْلَا أَطْفَالٌ رُضَّعٌ، وَعِبَادٌ رُكَّعٌ، وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ، لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» وَرُوِيَ «أَنَّ سُلَيْمَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَرَأَى نَمْلَةً مُسْتَلْقِيَةً، وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، لَيْسَ بِنَا غِنًى عَنْ رِزْقِكَ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: ارْجِعُوا، فَقَدْ سُقِيتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ» (وَكَذَا) أُبِيحَ (تَوَسُّلٌ بِصَالِحِينَ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ. (وَقِيلَ: يُسَنُّ)، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مَنْسَكِهِ الَّذِي كَتَبَهُ لِلْمَرُّوذِيِّ: يُتَوَسَّلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالتَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَطَاعَتِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَبِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي حَقِّهِ مَشْرُوعٌ إجْمَاعًا، وَهُوَ مِنْ الْوَسِيلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (وَكُرِهَ) خُرُوجٌ (لِنِسَاءٍ ذَوَاتِ هَيْئَةٍ) خَوْفَ الْفِتْنَةِ.
(وَ) كُرِهَ (إخْرَاجُنَا لِأَهْلِ ذِمَّةٍ) وَمَنْ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ، فَهُمْ بَعِيدُونَ مِنْ الْإِجَابَةِ. وَإِنْ أُغِيثَ الْمُسْلِمُونَ، فَرُبَّمَا ظَنُّوهُ بِدُعَائِهِمْ. (وَلَا يُمْنَعُونَ إنْ خَرَجُوا) مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِطَلَبِ الرِّزْقِ، وَاَللَّهُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ كَمَا ضَمِنَ أَرْزَاقَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَكُونُ خُرُوجُهُمْ (مُنْفَرِدِينَ بِمَكَانٍ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَخْتَلِطُونَ بِهِمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ عَذَابٌ، فَيَعُمَّ مَنْ حَضَرَ.
وَ(لَا) يَنْفَرِدُونَ (بِيَوْمٍ) لِئَلَّا يَتَّفِقَ نُزُولُ غَيْثٍ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ وَحْدَهُمْ، فَيَكُونُ أَعْظَمَ لِفِتْنَتِهِمْ، وَرُبَّمَا افْتَتَنَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ. وَحُكْمُ نِسَائِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ وَعَجَائِزِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ كَحُكْمِهِمْ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْخُرُوجِ مُنْفَرِدِينَ بِيَوْمٍ. (وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُمْ شَابَّةٌ كَالْمُسْلِمِينَ) وَالْمُرَادُ: حَسْنَاءُ وَلَوْ عَجُوزًا خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ (وَيُؤْمَرُ سَادَةُ أَرِقَّاءَ بِإِخْرَاجِهِمْ) رَجَاءَ اسْتِجَابَةِ دُعَائِهِمْ، لِانْكِسَارِهِمْ بِالرِّقِّ. (وَإِذَا صَلَّى بِهِمْ) رَكْعَتَيْنِ كَالْعِيدِ (خَطَبَ) بَعْدَ ذَلِكَ (خُطْبَةً وَاحِدَةً)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ خَطَبَنَا» رَوَاه أَحْمَدُ. وَكَالْعِيدِ يَجْلِسُ قَبْلَهَا إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ، لِيَتَرَادَّ إلَيْهِ نَفَسُهُ، ثُمَّ (يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ تِسْعًا) نَسَقًا (كَعِيدٍ)، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدِ» (وَيُكْثِرُ فِيهَا نَدْبًا مِنْ اسْتِغْفَارٍ)؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ نُزُولِ الْغَيْثِ. رَوَى سَعِيدٌ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ، فَقَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْغَيْثَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّذِي يُسْتَنْزَلُ بِهِ الْمَطَرُ، ثُمَّ قَرَأَ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} قَالَ فِي الْقَامُوسِ: مَجَادِيحُ السَّمَاءِ: أَنْوَاؤُهَا.
(وَ) يُكْثِرُ أَيْضًا مِنْ (قِرَاءَةِ آيَاتٍ فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ)، أَيْ: بِالِاسْتِغْفَارِ (نَحْوُ) قَوْله تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} وَ{أَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ} (وَ) مِنْ (صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؛ لِأَنَّهَا مَعُونَةٌ عَلَى الْإِجَابَةِ. وَعَنْ عُمَرَ، قَالَ: «الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) وَقْتَ الدُّعَاءِ، لِقَوْلِ أَنَسٍ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَكَانَ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَظُهُورُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ)، لِحَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (فَيَدْعُو قَائِمًا) كَسَائِرِ الْخُطْبَةِ، (وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ جَالِسًا) رَافِعًا يَدَيْهِ كَالْإِمَامِ، (وَمَهْمَا دَعَا بِهِ، جَازَ)، لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ، (وَالْأَفْضَلُ) الدُّعَاءُ (بِدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (وَهُوَ: اللَّهُمَّ)- أَيْ: يَا اللَّهُ- (اسْقِنَا)- بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَقَطْعِهَا- (غَيْثًا) هُوَ مَصْدَرٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الْمَطَرُ، وَيُسَمَّى: الْكَلَأُ، غَيْثًا (مُغِيثًا)، أَيْ: مُنْقِذًا مِنْ الشِّدَّةِ، يُقَالُ: غَاثَهُ، وَأَغَاثَهُ، وَغِيثَتْ الْأَرْضُ، فَهِيَ مُغِيثَةٌ وَمَغْيُوثَةٌ. (هَنِيئًا) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ: حَاصِلًا بِلَا مَشَقَّةٍ. (مَرِيئًا): السَّهْلُ النَّافِعُ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةَ، وَهُوَ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ، (مَرِيعًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، أَيْ: مُخْصِبًا كَثِيرَ النَّبَاتِ، يُقَالُ: أَمْرَعَ الْمَكَانُ وَمُرْعٍ بِالضَّمِّ: إذَا أَخْصَبَ. (غَدَقًا) بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا، وَالْمُغْدِقُ: الْكَثِيرُ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ. (مُجَلَّلًا): السَّحَابَ الَّذِي يَعُمُّ الْبِلَادَ نَفْعُهُ. (سَحًّا): الصَّبُّ يُقَالُ: سَحَّ الْمَاءُ، يَسِحُّ: إذَا سَالَ مِنْ فَوْقٍ إلَى أَسْفَلَ، وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. (عَامًّا) شَامِلًا (طَبَقًا) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْبَاءِ: الَّذِي طَبَقَ الْبِلَادَ مَطَرُهُ (دَائِمًا)، أَيْ: مُتَّصِلًا إلَى أَنْ يَحْصُلَ الْخِصْبُ. (نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ) رَوَى ذَلِكَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَاكِي فَقَالَ: فَذَكَرَهُ. قَالَ: فَأَطْبَقَتْ السَّمَاءُ عَلَيْهِمْ ( «اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ، فَذَكَرَهُ ( «اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ»)، أَيْ: الْآيِسِينَ، قَالَ تَعَالَى: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}، أَيْ: لَا تَيْأَسُوا. «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ، اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنْ اللَّأْوَاءِ»، أَيْ: الشِّدَّةِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: شِدَّةُ الْمَجَاعَةِ. (وَالْجَهْدِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ: الْمَشَقَّةُ، وَضَمِّهَا: الطَّاقَةُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. (وَالضَّنْكِ): الضِّيقُ (مَا لَا نَشْكُوهُ إلَّا إلَيْكَ اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ).
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الضَّرْعُ لِكُلِّ ذَاتِ خُفٍّ أَوْ ظِلْفٍ (وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ)، أَيْ: الْمَطَرِ الْكَثِيرِ النَّافِعِ. وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ هُنَا: السَّحَابُ (وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجُوعَ وَالْجَهْدَ وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا)، أَيْ: دَائِمًا زَمَنَ الْحَاجَةِ. وَهَذَا الدُّعَاءُ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ: «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ» رَوَاه الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، وَهُوَ مُرْسَلٌ. (وَسُنَّ اسْتِقْبَالُ إمَامٍ الْقِبْلَةَ أَثْنَاءَ خُطْبَةٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (قَائِلًا سِرًّا: اللَّهُمَّ إنَّكَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ وَوَعَدْتَنَا إجَابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا، فَاسْتَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدْتَنَا) قَوْله تَعَالَى: {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ} وَإِنْ دَعَا بِغَيْرِهِ، فَلَا بَأْسَ. (ثُمَّ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ فَيَجْعَلُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ) وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ وَدَعَا اللَّهَ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ قَلَبَ رِدَاءَهُ، فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ» (وَكَذَا النَّاسُ) يُحَوِّلُونَ أَرْدِيَتَهُمْ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ، كَيْفَ وَقَدْ عُقِلَ الْمَعْنَى، وَهُوَ التَّفَاؤُلُ بِقَلْبِ مَا بِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ. بَلْ رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ. (وَيَتْرُكُونَهُ)، أَيْ: الرِّدَاءَ مُحَوَّلًا (حَتَّى يَنْزِعُوهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ) لِعَدَمِ نَقْلِ إعَادَتِهِ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: لَا تَحْوِيلَ فِي كُسُوفٍ، وَلَا حَالَةَ الْأَمْطَارِ وَالزَّلْزَلَةِ. (وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ اسْتَقْبَلَهُمْ، ثُمَّ حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْخَيْرِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَيَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ) مِنْ الْقُرْآنِ (ثُمَّ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَمَّتْ الْخُطْبَةُ). ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ. (فَإِنْ سُقُوا)، فَذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ، (وَإِلَّا عَادُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا) وَأَلَحُّوا فِي الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّضَرُّعِ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ فَاسْتُحِبَّ كَالْأَوَّلِ.
قَالَ أَصْبَغُ: اُسْتُسْقِيَ لِلنِّيلِ بِمِصْرَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مَرَّةً مُتَوَالِيَةً، وَحَضَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَجَمْعٌ. (وَإِنْ سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ، فَإِنْ) كَانُوا (تَأَهَّبُوا) لِلْخُرُوجِ (خَرَجُوا وَصَلَّوْهَا شُكْرًا لِلَّهِ) تَعَالَى، (وَإِلَّا) يَكُونُوا تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ (لَمْ يَخْرُجُوا)، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، (وَشَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ)؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ لِأَجْلِ الْعَارِضِ مِنْ الْجَدْبِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النُّزُولِ. وَإِنْ سُقُوا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ، صَلَّوْا وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَإِنْ اسْتَسْقَوْا عَقِبَ صَلَوَاتِهِمْ أَوْ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، أَصَابُوا السُّنَّةَ). ذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمْعٌ: أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ، وَهُوَ أَكْمَلُهَا. الثَّانِي: اسْتِسْقَاءُ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي خُطْبَتِهَا، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. الثَّالِثُ: دُعَاؤُهُمْ عَقِبَ صَلَوَاتِهِمْ وَفِي خَلَوَاتِهِمْ. (وَسُنَّ وُقُوفٌ فِي أَوَّلِ مَطَرٍ وَتَوَضُّؤٌ وَاغْتِسَالٌ مِنْهُ وَإِخْرَاجُ رَحْلِهِ)، أَيْ: مَا يُسْتَصْحَبُ مِنْ أَثَاثٍ، (وَ) إخْرَاجُ (ثِيَابِهِ لِيُصِيبَهَا) الْمَطَرُ، لِقَوْلِ أَنَسٍ: «أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، فَحَسَرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ فَقُلْنَا: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِعُ ثِيَابَهُ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ إلَّا الْإِزَارَ يَتَّزِرُ بِهِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ قَالَ لِغُلَامِهِ: أَخْرِجْ رَحْلِي وَفِرَاشِي يُصِيبُهُ الْمَطَرُ (وَيَغْتَسِلُ فِي الْوَادِي إذَا سَالَ). وَاقْتَصَرَ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْوُضُوءِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إذَا سَالَ الْوَادِي: اُخْرُجُوا بِنَا إلَى الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرُ بِهِ» (وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَى الْمَطَرَ، قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» رَوَاه أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. وَعِبَارَةُ الْآدَابِ الْكُبْرَى بِالسِّينِ. قَالَ: السَّيِّبُ: الْعَطَاءُ. (وَإِنْ كَثُرَ مَطَرٌ حَتَّى خِيفَ مِنْهُ، سُنَّ قَوْلُ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا»)، أَيْ: أَنْزِلْهُ حَوَالَيْ الْمَدِينَةِ مَوَاضِعَ النَّبَاتِ، وَلَا عَلَيْنَا فِي الْمَدِينَةِ، وَلَا غَيْرِهَا مِنْ الْمَبَانِي (اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ تَلِيهَا مَدَّةٌ عَلَى وَزْنِ آصَالٍ، وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِغَيْرِ مَدٍّ عَلَى وَزْنِ جِبَالٍ، فَالْأَوَّلُ: جَمْعُ أُكُمٍ، كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ، وَأُكُمٌ جَمْعُ إكَامٍ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ، وَإِكَامٌ جَمْعُ أَكَمٍ، كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ. وَأَكَمٌ وَاحِدُهُ أَكَمَةٌ، فَهُوَ مُفْرَدٌ جُمِعَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْضِ وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا، وَكَانَ أَكْثَرَ ارْتِفَاعًا مِمَّا حَوْلَهُ كَالتُّلُولِ وَنَحْوِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ الْجِبَالُ الصِّغَارُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ حَجَرٌ وَاحِدٌ. (وَالظِّرَابُ)، أَيْ: الرَّوَابِي الصِّغَارُ، جَمْعُ ظَرِبٍ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. (وَبُطُونُ الْأَوْدِيَةِ)، أَيْ: الْأَمْكِنَةُ الْمُنْخَفِضَةُ (وَمَنَابِتُ الشَّجَرِ)، أَيْ: أُصُولُهَا؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهَا. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي لِذَلِكَ، بَلْ يَدْعُو؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الضَّرَرَيْنِ، فَاسْتُحِبَّ لِانْقِطَاعِهِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَلَا يُشْرَعُ لَهُ الِاجْتِمَاعُ فِي الصَّحْرَاءِ، وَيَقْرَأُ ( {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}) إلَى آخِرِهِ (الْآيَةَ)؛ لِأَنَّهَا لَائِقَةٌ بِالْحَالِ، فَاسْتُحِبَّ قَوْلُهَا، كَسَائِرِ الْأَقْوَالِ اللَّائِقَةِ بِمَحَالِّهَا: وقَوْله تَعَالَى: {لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، أَيْ: لَا تُكَلِّفْنَا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ، وَقِيلَ: هُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ وَالْوَسْوَسَةُ. وَعَنْ مَكْحُولٍ: هُوَ الْغِلْمَةُ، أَيْ: الشَّهْوَةُ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ: هُوَ الْحُبُّ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ: هُوَ الْعِشْقُ. وَقِيلَ: شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ. وَقِيلَ هُوَ الْفُرْقَةُ وَالْقَطِيعَةُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا. {وَاعْفُ عَنَّا}، أَيْ: تَجَاوَزْ عَنَّا ذُنُوبَنَا. {وَاغْفِرْ لَنَا}، أَيْ: اُسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبَنَا وَلَا تَفْضَحْنَا. {وَارْحَمْنَا} فَإِنَّنَا لَا نَنَالُ الْعَمَلَ بِطَاعَتِكَ وَلَا تَرْكِ مَعَاصِيكَ إلَّا بِرَحْمَتِكَ. {أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا} وَحَافِظُنَا. (وَكَذَلِكَ إذَا زَادَ مَاءُ نَهْرٍ بِحَيْثُ يَضُرُّ، اُسْتُحِبَّ دُعَاءٌ لَيُخَفَّفَ عَنْهُمْ، وَيُصْرَفَ إلَى أَمَاكِنَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ)؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى زِيَادَةِ الْأَمْطَارِ. (وَسُنَّ دُعَاءٌ عِنْدَ نُزُولِ غَيْثٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ عِنْدَ ثَلَاثٍ: الْتِقَاءُ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ، وَنُزُولُ الْغَيْثِ»
(وَ) سُنَّ (قَوْلُ: «مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ» وَيَحْرُمُ) قَوْلُ: مُطِرْنَا (بِنَوْءِ كَذَا)، لِخَبَرِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَلَمْ تَرَوْا إلَى مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ، يَنْزِلُ الْغَيْثُ فَيَقُولُونَ: الْكَوْكَبُ كَذَا وَكَذَا» وَفِي رِوَايَةٍ «بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ النِّعْمَةِ. (وَإِضَافَةُ مَطَرٍ إلَى نَوْءٍ دُونَ اللَّهِ اعْتِقَادًا كُفْرٌ إجْمَاعًا)، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، لِاعْتِقَادِهِ خَالِقًا غَيْرَ اللَّهِ. (وَلَا يُكْرَهُ) قَوْلُ: مُطِرْنَا (فِي نَوْءِ كَذَا)، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ: بِرَحْمَةِ اللَّهِ، خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ. وَالنَّوْءُ: النَّجْمُ مَالَ لِلْغُرُوبِ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. وَالْأَنْوَاءُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلَةً، وَهِيَ مَنَازِلُ الْقَمَرِ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}.